قارون، رجل من قوم موسى، أنعم الله عليه بالعلم الذي جعله سبباً في رزق عظيم أتاه. هذا الرجل، تأله بماله و علمه، فخسف الله به الأرض، فلم ينفعه علمه و لا ماله العظيم الذي افتخر قائلاً (إنما أوتيته على علم عندي)و نسي أن علمه و ماله بل و كله هو أمر من أوامر الله قال له كن فكان.تذكرت كيف وقف الناس، و هم يرون موكب قارون العظيم يمشي بينهم ف(قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون، إنه لذو حظ عظيم)، و إذا بالقلة المؤمنة ذات العلم تنهرهم (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا) و هي واثقة بعلمها أن معاداة الله لا تأت أبداً بخير، و لئن تركه الله في الدنيا، فلا مفر له في الآخرة. و عقب الله على قولهم بأن هذا الثواب لا يكون إلا للصابرين (ولا يلقاها إلا الصابرون). ذلك أن الدنيا مليئة بالأحداث المتناقضة، و من تظنه عزيز اليوم قد يكون ذليل الغد، فالله (مالك الملك . تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء. و تعز من تشاء. و تذل من تشاء بيدك الخير إنك على شئ قدير). و الانسان في غالب الأمر، لا ينظر إلا تحت قدميه و لا يعرف إلا ما يرى، و قليل ما هم من يستطيعون الاستنباط، مع عدم الجزم. خلاصة القول أن الانسان في مجمله، يقتنع بما يراه، و قد يؤمن بغيب أو لا يؤمن.
الله تعالى خسف بقارون الأرض،(وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون)، فرأى الذين كانوا يريدون مثل ما لدى قارون من المال (رأي العين) ما فعله الله به، فاقتنعوا أن كثرة المال ليست دليل على حب الله للعبد، و حمدوا الله منته و فضله بعد أن أيقنوا (عين اليقين) أن الله لطيف بهم أن لم يعطهم مثل ما أعطى قارون فيكفرون مثله، فيخسف بهم الأرض.
نظرت إلى هذه القصة، و من ثم تنبهت إلى حال الناس مع م. الشاطر حينما تم اعتقاله و اخوانه و من ثم تحويلهم للمحاكمات العسكرية مع مصادرة أموالهم و الصاق التهم بهم و ذلك الظلم البين الواقع عليهم ساعتها. لم يكن أحد من هؤلاء الناس يتمنى أن يكون في مثل موقع الشاطر أبداً.. قد يكون متعاطفاً معه، و قد لا يكون، و لكنه أبداً لم يكن ليتمنى أن يناله مثل ما نال هذا الرجل أبداً.. أن يعمل و يعمل و يكد و يكسب ماله من الحلال، و فجأة، يتم مصادرة تلك الأموال، مع الحبس و الاعتقال دون أي دليل. ظلم بين، و حسرة كبيرة، و مرارة شديدة، قد يموت بسببها أناس، و لا يصبر عليها إلا القوي الشديد.
و قد كان.. صبر الشاطر و احتسب، و دعا الله على الظالمين أن ينتقم منهم. و دخل السجن لسنوات أربع و الوضع لا ينبئ إلا بظلم و من بعده ظلم و من بعده ظلم.. و هؤلاء الناظرون، يرددون ::يا ليت "ما" لنا أبداً مثل ما أوتي الشاطر من ظلم و اعتداء، إنه لذو حظ تعيس::.
ثم قامت الثورة، و حدث مالم يكن متوقعاً أبداً، و انبطح الناظرون تحت أقدامهم أرضاً من هول الصدمة.. لقد تغيرت الدنيا بالكلية، و أصبح الأمر "معكوساً" تماماً، و ما كان بالأمس يسير في اتجاه اليمين، انعكس لليسار، و نال الشاطر حريته التي استلبها منه الظالم الباغ بغير وجه حق.
و اليوم، تحدث أحداثاً، تجر الشاطر لمقعد الرئاسة جراً، بعد عقود من الظلم و العدوان و مصادرة الأموال، ليكون هو، في موضع من ظلمه من قبل إذا أذن الله تعالى بذلك.أسوق هذه القصة لفئة الناس الذي تمنوا أن لا يكونوا أبداً في مثل مكان الشاطر بالأمس، و اليوم، بدلاً من أن يعتبروا مثل الفئة التي اعتبرت من هلاك قارون، تسوق التهم و الأباطيل حول الرجل.
و بدلاً من أن تقول ويكأن الله لا يضيع أجر المحسنين تقول ماذا فعل هذا، و حكومة رجال الأعمال، و الحزب الوطني، و طلاب السلطة، و ما شابه هذه الكلمات. و كأن ما حدث بالأمس هو ماض سحيق لا أثر له و لا معرفة به.
نصحي إليكم، أن تعتبروا، و أن تقوموا لله مثنى و فرادى ثم تتفكروا، و أن تتعلموا التاريخ و أن تقرأوه جيداً و أن تكونوا منصفين، لكم لا لأحد.. لأن الله سبحانه و تعالى سيسألكم عن كل ما تقولونه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).