الثلاثاء، ٢٧ نوفمبر ٢٠٠٧

سيبك بأة

سيبك بأة بلا هوى بلا حب بلا سامحني بلا كلام كداب.. هذا هو نص ما سمعته بينما كنت في ذلك الصندوق المسمى ميكروباص ذاهباً إلى عملى في الصباح.. الغريب أن هذا النص اللطيف لم يكن حواراً بين الراكبين مثلاً أو خناقة بين واحد و مراته.. بل كان عبارة عن أغنية يشدوها على مسامعنا أحد مطربي الميكروباص المشهورين الذين لا يعرف أسماءهم إلا سائقى الميكروباص فقط.
عندما تحلل كلمات هذه الأغنية (إذا صح تسميتها بهذا الإسم) تدرك مدى التدني الذي ننحدر إليه يوماً بعد يوم في اختيار كلماتنا المعبرة عنا، و لا تتعجب حينئذ عندما تنتشر بين أوساط الشباب أغاني مثل "بحبك يا حمار" و "دي عيلة و واطية و نصابة".. فهذا هو الواقع الذي يعيشونه و يسمعونه كل يوم في مكعبات مرقة الميكروباص التي يركبونها كل يوم ذهاباً إلى عملهم أو أماكن تعلمهم.
نظرة أخرى إلى كلمات الأغنية تدرك بها طبيعة العلاقات التى يحاول هؤلاء السفهاء من المؤلفين و المطربين فرضها علينا.. فقد أدركوا أن كلام الحب و العشق و الغرام و اللوعة و الانتظار أصبح "موضة قديمة" و أصبح كل من هب و دب (أقصد من القدماء) بيحب على نفسه.. فكان لابد من فرض سمة مميزة أخرى لأغانيهم لا نستطيع وصفها بالهجر أو حتى "الهجو" فكليهما له احترامه و شكله المميز و صفاته الخاصة به، ولكنها سمة غريبة الشكل تتحدث في نوع آخر من أنواع السباب أو الشتيمة أو التهزئ بكل ما أوتوا من ألفاظ يمكن نظمها في شكل أغنية يسمعها الناس.
و الظاهر فيما يبدو أن الوضع ينتقل من سئ إلى أسوأ، و أننا سنستمر في سماعنا لهذه الأشياء المسماة "أغاني" بهذا الشكل، بل و قد يتطور الموضوع إلى شكل أسوأ من هذا المطروح، طالما أننا لم نستطع لفظها من مخنا و رفضها و التعامل معها على أنها سلاح خطير على أدمغتنا و أنها آداة رهيبة تتغلغل داخل أنفسنا لتقتل أسمى معاني العلاقات بين البشر و تحولهم إلى (لا مؤاخذة) حيوانات.. و سيبك بأة بلا...

الأحد، ١٨ نوفمبر ٢٠٠٧

الطماعون

ما هذا الحاجز الرهيب الذي أصبح بيننا و بين شيوخنا.. كيف تسنى لمفتى الجمهورية أن ينطق بهذا الكلام عن هؤلاء المساكين الذين ذهبوا أدراج الرياح دون ذنب إلا أنهم مصريون.. نعم أنت المفتي.. و لكن أن تحكم دون أن تعلم و أن تفتي دون أن تدري فهذه مصيبة.الطماعون.. هذا ما أطلقه سيادة المبجل مفتى عام الجمهورية على الشباب الذين غرقوا قبالة السواحل الإيطالية منذ بضعة أيام..
الطماعون.. هذا هو اللقب الجديد الذي استحقه من خرجوا من ديارهم طلباً للقمة العيش بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت في بلدهم.. الطماعون.. هم من رهنوا بيوتهم و باعوا أملاكهم و استدانوا من طوب الأرض هربا من بطالة لا تسمن و لا تغني من جوع.. الطماعون.. إخواننا المساكين الذين ابتلعتهم مياه البطالة و جشع الجشعين و فساد الفاسدين المفسدين و أكملت عليهم مياه البحر حسرتهم و حسرة أهلهم من بعدهم الذين لم يرثوا من أبنائهم إلا الثكلى و الديون.

يا سيادة المقتى.. أما تعيش معنا في هذه الدنيا؟؟.. أم أنك من عالم آخر لا يمت إلى بلدنا بأي صلة؟؟.. يا سيادة المفتي.. غير الإمام الشافعي فقهه عندما انتقل من مصر إلى العراق لأنه علم أن فقه العراق لا ينفعهم و أنت تعيش في نفس البلد و بين نفس الناس و لا تستطيع أن تفتي بفتوى تعايش هذا الواقع و تتسع لما فيه؟

لا أعلم يا سيادة المفتى.. هل أنت جاد بالفعل فيما تقوله؟؟ فلماذا إذاً خرج الأزهر و مجمع بحوثه بفتوى أن هؤلاء شهداء.. و هل من السهل عليك أن تنعت من مات باحثاً عن رزقه بالطمع و أنه لا يستحق الشهادة.. أما من يسرقنا و يسرق قوتنا كل يوم و يقتلنا كل يوم و يذيقنا ألوان العذاب كل يوم فهو شريف و شهيد و تقام له جنازة عسكرية مهيبة و يتبعه الناس مجبرين أو على الأقل مخدوعين.

لا أعلم فعلا ما الذي يحدث في هذه البلد.. و لكن صدق رسول الله حين قال أن من علامات الساعة أن يخون الأمين و يؤمن الخائن.. و يتهم من خرجوا من ديارهم يبحثون عن لقمة العيش و يكدحون بالطمع.. و الذين ينهبون أموالنا في جيوبهم كل يوم شرفاء و حكماء و كرماء.

يا سيادة المفتي.. الطماع من جلس على كرسي السلطة ليسرق أموالنا.. الطماع من عذب الذين يقفون أمامه و يحاولون استرداد حقوقهم المسلوبة.. الطماع من يلقي بالناس للمحاكم العسكرية و يسرق أموالهم بحجة واهية لا أصل لها و يفندها العبيط قبل الصحيح.. الطماع من لا يؤدي للناس ما عليه من أمانات و خدمات و يستأثر بالمال و المنصب و هما ليسا من حقه.. الطماع هم نواب القروض و سميحة و نواب لمصالح و التزوير و الاحتكار.. الطماع من اقترض من البنوك المليارات و هرب بها إلى خارج البلاد، و بدلاً من أن تسعى الدولة لإرجاعه تذللت له ليدفع نصف ما عليه بحجة الظفر بما يمكن الظفر به أو من باب يا عزيزي كلنا لصوص، أما المقترض الصغير الذي يقترض و قد ينجح مشروعه أو يفشل فيذوق ألوان العذاب و يحاصر بشتى الفوائد و الحجوزات التى تقصم ظهره قبل أن تدعمه.. الطماع من يرتشي الآلاف و الملايين ليعين طماعاً آخر على مص دمائنا.. الطماع من يصنع المعاهدات و يبيع وطنه و أهله و دينه بعرض من الدنيا زائلاً.. الطماعون كثيرون يا سيادة المفتي و لم تجد إلا هؤلاء لتنعتهم بالطمع.

لا أنكر أن الشباب قد أخطأ، و لكني تعلمت أن أبحث عن سبب الخطأ و ليس الخطأ نفسه، و لهذا أقولها بملئ فيه.. هؤلاء الشباب قتلتهم هذه الدولة حينما تركتهم لوحش البطالة و جشع الطماعين ووسائل الإعلام التي تصور لهم الزيف.. قتلتهم عدة مرات قبل أن تلقي بهم إلى أسماك البحر لتأكل ما تبقى من أجسادهم.. و أكملت أنت يا سيادة المفتى قصيدة القتل باتهامهم بأنهم طماعون.

لعلك يا سيادة المفتى تقصد خيراً.. لعلك تقصد إخافة الشباب من الإقدام على هذا العمل المتهور.. لعلك بالفعل تقصد خيراً.. و لكنك عذراً.. قد أخطأت.. فنحن لسنا طماعون.

Bux.to